تحميل كتاب ملحمة الحرافيش pdf

كيف يتغوّل الإنسان برغم منبته الطيب والأصيل ؟!!، وإلى متى ستظل لعبة المصالح متحكمة في مصائر المهمشين؟، العدل وفقط هو المخلص الذي سينقذ البشرية فلماذا لا يتم تطبيقه؟، المال والسلطة فتنة قد يغيّران ذمم الجميع، الزمن قادر على طمس التاريخ، لكن دائماً وأبداً هناك من يكشف الحقائق في الموعد المناسب فهل سيأتي الدور علينا لمعرفة الحقيقة؟، ثم لماذا لا تتحرك الجموع من تلقاء نفسها لتحقيق العدالة وعلى مر العصور يقبع الحرافيش في جحورهم في انتظار البطل المخلص؟!.

بمجرد قراءة رائعة الكاتب المصري نجيب محفوظ "ملحمة الحرافيش" مهما كان موقعك، ستترك نفسك داخل أحداثها، مفتشاً بعقلك عن إجابات لأسئلة طال انتظارك لها، فبرغم أن الرواية تدور في الحارة المصرية العتيقة، وقد تبدو أحداثها لوهلة أحداثاً نمطيّة تدور حول فكرة الفئة المهمشة المظلومة (الحرافيش) تنتظر القائد، البطل، المهدى المنتظر لتخليصها من قمع وبطش الطبقة الحاكمة، إلا أنها محمّلة بالرموز والتأويلات التي قد تأخذك تارة لتفسير تقلّبات الزمن، وتارة أخرى لإدراك تحوّلات الحقب التاريخية، وفي أحايين عدة سترى أبطالها انعكاس لشخصيات تاريخية ماضية وأخرى حاضرة، بينما وانت تتنقل بين سطورها ستتأكد أنها رواية تلقي الضوء على لغز النفس الإنسانية، بكل ما تحمله من دوافع ونوايا خيرها وشرها، مجسدة صراعاتها الأكثر عمقاً والأعنف بروزاَ، فلا عجب إن قلنا أن رواية ملحمة الحرافيش رواية خالدة باقية لأنها تضع التاريخ الإنساني بكافة جوانبه أمام ناظريك عبر سرد فلسفي عميق رغم بساطة اللغة والتركيب ذلك لأن كل صفحة من صفاحتها تحمل حكمة خالدة تجري في الزمن مجرى دقات الساعة.

ملحمة الحرافيش في مجملها تتكون من 10 قصص منفصلة متصلة في آن واحد، لأنها تلقِ الضوء على 10 أجيال متعاقبة لعائلة عاشور الناجي .. ذاك البطل العادل الذي ذاق في عصره الحرافيش معنى الكرامة والمساواة، بنصرة الضعيف ومساعدة الفقير، وتقويم الغني.. ذاك الفتوة الذي لم يستغل قوته إلا في خدمة العامة، زاهداً في حياته لا يلتمس غنى أو سلطان.. فهل حافظ ابناؤه وأحفاده على ذلك العهد أم حادوا عنهم وطالتهم الفتن؟.. عشر قصص كل قصة لنبت مختلف من شجرة "عاشور الناجي"، وكل واحد فيهم لهم تجربته وشخصيته، وزمانه المثقل بالصراعات واللغو والهوى، النوايا والتطلع، الشياطين والملائكة.. فماذا سيفعل الزمن بشجرة عائلة عاشور الناجي المباركة أصولها؟!

اختار نجيب محفوظ أن يجعل رواية ملحمة الحرافيش بلا زمن محدد، وفي ذلك العجب العجاب، فأثناء قراءتك لها ستظنها حكايات من أساطير الأولين، حكايات ممتعة تُدهشك وتقفز صورة تلو الأخرى إلى ذهنك متلذذاً بها تملؤك الإثارة ويجذبك التشويق لمتابعة أحداثها، ورغم ذلك ستجسد لك الواقع بكل تفاصيله، وتفتح لعقلك آفاق جديدة لتفسير ما يدور حولك ومعرفة من أين أتى وإلى أين ستؤول الأمور.. وكأن نجيب محفوظ أراد بذلك أن يصب التجربة الإنسانية جمعاء في صفحاتٍ بلا زمن ولسان حاله يقول كلنا واحد في كل زمان الكل لا يتجزأ والجزء لا ينفصل.

أما عن مكان رواية الحرافيش فتدور أحداثها في الحارة المصرية بممراتها الضيقة والعتيقة، ورغم ذلك استوعبت من الأحداث ما استوعبته المعمورة بكافة أرجائها، لنجد الكاتب فتح الزمان عن آخره وجعل المكان ضيقاً محدوداً، ليؤكد لنا أن الزمان هو أساس الملحمة تُدار بأنامله الدوائر، بينما مكان الإنسانية برغم شساعته سيكون بالنسبة للزمن ممرات ضيقة لكن كافية ليكتشف الإنسان حقيقته.

تبدأ القصة الأولى بحكاية عاشور الناجي ذلك الأسطورة الحية في نفوس الحرافيش والتي تمثل القوة الجسدية والزهد الروحي، وتجسد معاني العدل والإنصاف وخدمة الرعيّة، وتنتهى بقصة عاشور الناجي الحفيد الذي يجسد هو الآخر أسطورته الخاصة، وما بينهما ملاحم الخير والشر، الفتنة والزهد، الحياة والموت، وصراع النفوس والنوايا.. حيث اختيار الدنيا ومتاعها الغرور.