كيف تُنمِّي خيال طفلك ؟!

فلنتفق، كل الأطفال حول العالم مبدعون، وعليه فإن هذا العنوان يحمل قليلا من اللبس ! لكن أتفهم هذا طبعا، كل الآباء يسعون لتشجيع أطفالهم من أجل بعث أفكارهم الخاصة، وجعلهم مميزين ومتفردين. لكن ما الذي نقصده بالخيال؟ 

يعتقد البعض، أن الحديث عن الخيال يشمل فحسب المجالات الابداعية والفنون، لكن وعلى العكس من ذلك، فالخيال ملكة تساعد الأطفال على الابتكار والإبداع في مختلف مجالات الحياة، إنها رؤية مغايرة ومختلفة للوجود. 

وعليه فالخيال يكاد يكون بالفعل سمة موجودة لدى الجميع، لكن بتفاوت، أو دعنا نقول، الخيال الخام ! 

ولنحت هذا الخيال، وبعث عوالم مدهشة من خلاله، هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكن للآباء اتباعها، وهذا ما سنحاول التفصيل فيه في مقالنا هذا.

خطوات لتنمية خيال طفلك:

1- القراءة:

لا شيء مثل القراءة قادر على تنمية خيال طفلك، إنها كالسحر في أفاعيلها على دماغ الطفل. فالقراءة تفتح الآفاق وتسافر بالطفل نحو عوالم لا متناهية، لأنها تعرفه على أخبار جديدة، وتمده بمعلومات تلبي فضوله الطفولي وتمكنه من التساؤل أكثر فأكثر. 

لذا ينصح الآباء بتعويد أطفالهم على القراءة وذلك عبر طريقتين: 

  • القراءة لهم ! 

اقرأ لطفلك متى ما أمكنك ذلك، نعم كلما قرأت لهم كلما ساعدتهم على تحفيز خيالهم وإثارته. 

إن القراءة تساعدهم على رسم تصورات خاصة بهم، وبعث عوالم تتعلق بالكلمات من ابتكارهم الخاص، كأن يرسموا بأذهانهم شخصيات القصص أو الأمكنة وتفاصيل أخرى. 

إنك حين تقرأ الكتب والقصص للأطفال، فأنت تهديهم رقعة حرة يمارسون من خلالها لعبة الخيال. 

اختر قصصا مشوقة، حاول أن تكون بعض القصص من تأليفك، هذا سيشجعهم على بعث قصصهم الخاصة، أقحمهم في عالمك، واطلب منهم تتمة القصص كما يحلو لهم. كأن تترك النهايات مفتوحة، وتجعلهم يتمونها وفق النهايات التي يعتقدون أنها مناسبة. 

لا تقرأ عليهم قصتك دفعة واحدة، بل قسمها إلى أجزاء متقطعة، واجعل في كل مرة الاحتمالات والأحداث متعددة، الأمر الذي يزيد من تشويقهم وفضولهم، ويجعلهم يفكرون أكثر فيما ستؤول إليه القصة، ومن ثم يشغلون خيالهم ويمرنونه. 

  • شجعهم على القراءة بمفردهم: لا تكتف بالقراءة لأطفالك، بل شجعهم على القراءة بمفردهم أيضا، لأن ذلك سيمرنهم على التفكير المتجدد، وتعلم سبل جديدة وعبارات لغوية، ومن ثم صور مغايرة عما اعتادوا عليه. 

ساعدهم على اختيار كتب مناسبة لأعمارهم، ولتشجع طفلك على القراءة يمكنك الاطلاع على مقالنا من هنا. 

2- المحادثات اليومية:

من المهم أن تستمر في الحديث مع أطفالك، ومشاركتهم أفكارك، حتى حين يتعلق الأمر  بتفاصيل اليوم العادية، كالطبخ، والغسيل، والتبضع. 

إن المحادثات مع الطفل تعزز خياله، وقدرته على خلق رؤى خاصة به، حاول أن تجعلها محادثات مفتوحة، ابتعد عن الإجابات الجامدة والأوامر الصارمة، وبدلا من ذلك، اطرح الأسئلة : ما رأيك في صوت الحمام اليوم؟ مالذي تعتقد أنه يرغب في البوح به؟ أنظر السماء تبدو غاضبة اليوم ما رأيك؟ هل لك أن تشكل لي وجها من خلال شكل البلاط هذا؟ 

لعبة أخرى مرحة يمكن أن تتشارك فيها مع أطفالك، أن تتقمصوا شخصيات خيالية، كثيرا ما أفعل هذا مع أطفالي، إنها طريقة ممتعة أتبعها لتمضية وقت مختلف وخفيف. 

وهي كالآتي: 

  • اجعلهم يختارون شخصيات من وحي الخيال: اقترح على اطفالك أن يتقمصوا شخصيات، وحثهم على تخيل أشكالها، وأدوارها وطريقة الكلام المناسبة لذلك. 

سيفاجئك كم هم قادرون على تبني تصورات مبدعة ومرحة.  

  • نجلس معا ونفتح محادثات : بعد ذلك حاولوا أن تتعاملوا معا بشخصياتكم الجديدة. 

ستجد أن الأطفال قادرين على فتح محادثات طريفة وخيالية، كما أن ذلك سيشجعهم على توسيع آفاق مخيلاتهم وتنمية ذكائهم عبر ربط شخصياتهم بأساليب لغوية محددة أو سلوكيات معينة.

3- استغل شغفهم بالرسوم المتحركة ! 

يميل معظم الأطفال للاهتمام بالرسوم المتحركة، لأنها تتضمن قصصا مصورة تلبي حبهم للألوان والقصص والرسوم ، ولذا ما عليك سوى مشاركتهم اهتمامهم هذا، لكن بطريقة مختلفة تحفزهم على التخيل. 

الطّريقة:

حاول أن تجتمع معهم وتتخيلوا الشخصيات الكرتونية بشكل مغاير، كأن تجعل من السنافر جيرانا لكم، وتشاركهم قصصا طريفة عما يمكن حدوثه، أو أن تجعل بطلهم الخارق عجوزا مسنا يحتاج للمساعدة، أو غير ذلك من القصص الطريفة التي تجعلهم يفكرون في تصورات مختلفة، وقصص جديدة. 

اخترق الروتين اليومي ! 

دون شك، يعد الانضباط والتنظيم من أهم الأمور التي على الآباء تعويد أطفالهم عليها، لأن ذلك يساعدهم على الهدوء والاتزان والابداع أكثر. 

لكن وبالمقابل، من المهم كسر الروتين، واختراق هذا النظام في بعض الأحيان، حتى يتسنى للطفل التأهب للتتغير، وبعث حلول جديدة من أجل الاستمتاع باليوم. 

كأن تزيح جانبا أعمال البيت وتقترح عليهم لعبة القفز على الحبل، في الوقت الذي لا يتوقعونه فيه ذلك منك. 

فقط ابدأ بالقفز وادعهم لمشاركتك، ستجد أنهم يتحمسون ويستمتعون، ويزيد ذلك من قدرتهم على التكيف المرن. 

إن كنتم متعودون على تناول الطعام مجتمعين حاول الطاولة، اقترح عليهم فجأة تناول الطعام في شرفة المنزل، واجعلهم يساعدونك على تهيئة المكان. 

اكسر بعض القواعد الصارمة، كأن يدعو الآباء أطفالهم للسهر من أجل مشاهدة فيلم أطفال والنوم معا في خيمة منزلية يتشاركون في إعدادها. 

كل هذا من شأنهم أن يحفز الأطفال ويشجعهم على تنمية مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية، لا تقلق، لن يدفعهم ذلك للتمادي أو التمرد، الأمر كله بين يديك، ستجدهم أكثر تقبلا للأوامر بعد ذاك.

3- لا ضير من بعض الملل:

قد يبدُو هذا غريبا بعض الشيء، لكن نعم، أثبتت الدراسات أن الأطفال بحتاجون للشعور بالملل أحيانا، لأن ها يدفعهم للسكون إلى ذواتهم، والتفكير بصورة أهدأ وأعمق. 

كما أن الاحساس بالملل، يدفع الطفل للتفكير بشكل جدي في حلول للخروج من هذا المأزق ! كأن يخوض مغامرات، أو يبدع ألعابا جديدة، أو يقوم بابتكار تصميم لخدعة ما ! 

لا تقدم للأطفال الحياة على طبق من ذهب بل اجعلهم يسعون لخلق فرصهم في الحياة بالطريقة التي يرون أنها مناسبة.

4- مارس أنشطة حرة مع أطفالك:

إن الالعاب والأنشطة المفتوحة من بين الأشياء التي تساعد على تحفيز خيال الطفل، لأنها لا تفرض عليهم خيارات محددة، بل تتيح لهم فرصة ابتكار الأشكال أو الطرق الجديدة في اللعب.

من بين الأنشطة المهمة نقترح عليك:

  • اللعب بالرمل.

  • الصلصال.

  • الرسم في الهواء الطلق.

لكن احرص على استعمال مواد آمنة من أجل سلامتهم.

أما فيما يخص الألعاب، هناك الكثير من الأفكار التي تمكن الأطفال من ممارسة الخيال بشكل واسع، كأن تبني خيمة من قماش وخشب وجعلها مخبأ سريا لهم، أو أن تقترح عليهم ارتداء أزياء غريبة عبر عرض قطع مختلفة من خزانتك لأجل القيام بمسرحية  أو تخيل مغامرات في الأدغال وما شابه ذلك، فذلك وإضافة لكونه تغييرا ممتعا فإنه يزيد من ذكاء الطفل وخياله. ناهيك عن أنه ينمي روح التفاعل والتعاون وتنمية مهارات التواصل بين الأطفال.

5- فلنبتعد عن الشاشات قليلا يا صغار:

برغم أن الشاشات - وتشمل شاشات التلفزيون والهواتف النقالة - أضحت مهمة وتساعد كثيرا على تسلية الأطفال أو امدادهم بما يرغبون فيه من ألعاب الكترونية ورسوم متحركة، إلا أن وجودها قد يسبب أزمة لخيال الطفل وقدرته على الإبداع.

وذلك لأنهم بستقبلون الصور والأفكار ويمتصونها سلبا، أي دون جهد أو تفكير، ودون استخدام ابداعهم الخاص، إنها تطرح لهم عوالم جاهزة. ومن ثم يعلمهم هذا الامتصاص والتكاسل ويثبط خيالهم. 

لذا حاول تقليل الشاشات قدر الإمكان، استبدلها بالكتب، الألعاب والكثير من القصص والمحادثات. 

6- المشي خارجا حل مثالي دوما:

لا أفضل من المساحات الواسعة لتلبية خيال طفلك، لذا اجعل من جدولك وقتا مخصصا لقضاء الوقت خارجا برفقة أطفالك.

إن المشي في الطبيعة، يساعد على الهدوء والتأمل والاسترخاء، كما يمنح الطفل البراح الشاسع لأجل ممارسة خياله بشكل حر ومطلق.

سواء تعلق الأمر بتسلق الحبال، أو المشي في الغابات، أو النشي على الرمال، أو ربما الصيد، أو السهر أمام شعلة من النار كل هذا من شأنه أن يبعث على الأبداع لأنه يتعلق بخلق مشاعر حميمة لدى الأشخاص والأطفال بشكل خاص.

لا تتردد في السماح لطفلك بالتخييم مع أصدقائه أو المشاركة في الرحلات المدرسية ما دام الأمر آمنا ومنظما من قبل جهات موثوقة ورسمية.

7- دعهم يكتشفون، دعهم يجربون ..

أحيانا المبالغة في الحرص والحذر تجعل من أطفالنا عاجزين وخائفين ومحدودي الخيال، لذا من المهم أن تسمح لهم بتجريب أمور جديدة، حملهم مسؤوليات، واطلب منهم مهام ولا تتردد في جعلهم يعتمدون على أنفسهم فيما يتعلق بالأخطاء والمشاكل، لابد من أن يصححوا الأمور بمفردهم. 

كل هذا يساعد الطفل على تحمل المسؤولية والقيادة ومن ثم التفكير بشكل جدي لإيجاد الحلول والتصرف اللائق في المواقف المختلفة، إن هذا جزء من تدريب الدماغ وتحفيز الخيال. 

لا تحبط محاولاتهم باكتشاف الأشياء وعمل تجارب مختلفة أيضا دعهم حتى وإن بدى لك ذلك ضرب من الفوضى والعبث .

8- كن قدوتهم، وحرر خيالك ! 

نعم، إن كنت ترغب في تطوير خيال طفلك، ما عليك إلا جعله يقتدي بك، عبر الغوص بحرية في عالمك الخاص، كأن تمارس الموسيقى، الطبخ، المشي، قم بنشاطات مختلفة، أو مارس هوايات يدوية. 

إن رؤية طفلك لك وانت منغمس في كل هذا يشجعه ويمنحه الثقة، ستجده واثقا ومحبا للتجريب والتغيير والاستقلال بعالمه الخاص هو الآخر. 

لا يهم ما الذي ستحققانه في نهاية المطاف، لكن لا يهم، لا تجعل النتيجة ما يشغل بالكما، بل رحلة التجريب تلك والاستمتاع والتحليق عاليا بمخيلتكما. 

شجع طفلك دائما وامدحه واثن على ما يقوم به، حتى وإن كان عاديا، وساعده على مزيد من التعلم والمحاولات. 

لا تنزعج إن كانت النتيجة منزلا مليئا بالفوضى ! فالمنازل الفوضوية غالبا ما تنبيء بوجود أطفال مبدعين وواثقين على أية حال.

انتظر ! هناك خطوة أخيرة .. 

بعد أن تعرفنا على أهم الطرق والخطوات التي تساعد على تنمية خيال طفلك، كان لابدّ من التوقف عند نقطة بالغة الأهمية، وتتعلق بما قد يعيق خيال طفل ويكبله، وهي الأمور التي يغفل عنها الآباء غالباً 

  • تجنب كثرة الانتقاد: لا يمكنك تصور ما قد تفعله كثرة الانتقاد بطفلك، إنها لا تحجم خيال طفلك فحسب، بل تقلل قدراته الفكرية إلى الحد الأدنى، إنها تبتر أهم ما في الطفل " جناحيه " !. 

حتما، من المهم مشاركة أطفالك بعض الملاحظات التي تصب في مصلحتهم، كأن تقترح حلولا للمشكلات، أو تسعى لتعديل بعض السلوكيات الخاطئة وفرض بعض الأمور من أجل تحقيق الانضباط وتهذيب سلوكهم. 

لكن احذر أن يكون ذلك عبر توجيه الانتقادات اللاذعة، وإحباط معنوياتهم، وتوجيه أحكام مطلقة عليهم، كأن تنتقد كثرة الحركة، أو طريقة الكلام.

لأن ذلك من شأنه أن يفقدهم ثقتهم بأنفسهم، فالآباء هم الوجهة الأولى التي يستمد منها الأطفال تصوراتهم حول ذواتهم. 

اختر عبارات تشجيعية، ابد ملاحظات على نحو إيجابي بناء، لا تقلل من شأنهم أبدا، واتبع أسلوب الحوار، لأن ذلك يساعدهم على المضي قدما في سبيل بناء شخصيتهم المتفردة. 

  • احذر الضرب: لا يختلف اثنان على عواقب ضرب الأطفال، وما يتسبب لهم فيه من أذى نفسي وجسدي على المدى البعيد. 

إن الضرب لا يعني سوى أنك بت عاجزا من وجود سبل للتفاهم والتحاور مع طفلك. ناهيك على أنه يعلم الأطفال العنف، ويفقدهم القدرة على الحوار والتواصل كأسلوب حياة. 

تجنب أن تدخل في صدامات عنيفة، وذلك بالابتعاد عن المواجهة أثناء الغضب، محاولة تهدئة الأطفال، واختيار أساليب عقاب مناسبة. 

فالضرب يجعل الطفل سجينا لتصورات ضيقة حول ما يمكنه فعله، لأنه يعزز بداخله الخوف والتوتر وعدم الأمان. 

طفل خائف هو طفل سجين ! 

وعلى العكس من ذلك، إن الأطفال الذين لم يتعرضوا للعنف أثبتوا قدرة أكثر على الإبداع وابتكار أشياء مختلفة مقارنة بالأطفال الذين تعرضوا للتعنيف. 

  • لا تخضعهم للمقارنات: إن كل طفل هو طفل استثنائي ومختلف، الأطفال يختلفون من حيث قدراتهم وتصوراتهم ونظرتهم للأمور. 

ومقارنة الأطفال بأطفال آخرين لا تفعل سوى أنها تحدد قدراتهم الابداعية، وتربطهم بأطر محددة، وتجبرهم على التصرف على غير طبيعتهم، وهو الأمر الذي يحد من قدرتهم على الإبداع. 

  • لا تفرض عليهم خياراتك: حين يتعلق الأمر برغبات الطفل واهتماماته وأشيائه الخاصة، تجنب فرض خياراتك عليه، حتى وإن بدى لك ذلك صائبا. 

  • راقب صحة طفلك النفسية: يعاني بعض الأطفال من مشاكل نفسية جراء مرورهم بضغوط وعوامل التغافل عنها قد يتسبب لهم في تفاقم الوضع حد العزلة والانطواء وانغلاقهم حول ذواتهم، الأمر الذي يحد من قدرتهم على الإبداع.

وعليه، تجب مراقبة الأطفال ومتابتعهم، من أجل الوقوف على المشكلات التي قد تعتريهم وحلها أولا بأول، على غرار التعرف على مخاوفهم، ومعرفة عما إذا كانوا يتعرضون للتنمر او التعنيف وغيرها من المشاعر السلبية التي تؤثر سلبا على الطفل. 

  • اهتم بغذاء طفلك: لا تغفل عن صحة طفلك الجسدية، لأن الغذاء السليم في العقل السليم ومن ثم خيال سليم كذلك ! 

حاول أن يحتوي طعام طفلك على المكسرات والفولكه والسمك والعصائر الطبيعية من أجل امداد جسمه بالفيتامينات والمواد المهمة لنموه العقلي والجسمي، كما لا تغفل عن تعريضه لأشعة الشمس الصباحية.

بهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا حول خيال الطفل، وحول أهم الخطوات التي تساعد على تنمية مهاراته الابداعية وتعزيز قدرته على الكون حرا ومختلفا وشاسعا !.