هل تنبأ خالد توفيق بالمستقبل ؟ 

لا يمكن الحديث عن الأدب العربي المعاصر، دون ذكر أعمال الكاتب المصري الدكتور أحمد خالد توفيق، حيث تمثل مساهماته الأدبية أرضية هامة لقراء الوطن العربي. 

وقد ضمت أعماله مختلف الأجناس الأدبية من قصص ومقالات وأعمال روائية تنوعت مواضيعها، فطرق قضايا اجتماعية، وسياسية وثقافية وأحال عبر كتاباته لمختلف الأوضاع التي عرفتها المجتمعات العربية، وأثرت عليها. 

لكن وما يثير الاستغراب، أن كتابات أحمد خالد توفيق لم تؤثر فحسب في القراء العرب كما يدل عليه انتشارها وتصدره للمبيعات العربية، بل أيضا في كون الكاتب المصري أحد الكتاب الذين استطاعوا محاكاة الوضع العربي في أعمق تفاصيله، حتى أنه استطاع التنبؤ بالمستقبل! 

نعم قد يبدو هذا مثيرا للدهشة والاستغراب، لكن هذا بالفعل ما تفصح عنه كتاباته على نحو يجب التوقف عنده، إذ وحتى بعد وفاة الدكتور خالد توفيق، لا تزال أعماله الأدبية تثير الجدل، وما تزال الاقتباسات المأخوذة عن أعماله تصف الواقع المعاش بصورة تصعب مجاراتها. 

حول أدب خالد توفيق:

إن الكاتب المصري الدكتور أحمد خالد توفيق عراب الشباب العربي، يعد أحد أعمدة الأدب العربي، إذ أن رصيده من الكتابة أسهم في تعزيز عناوين المكتبة العربية، بأعمال هامة متنوعة. إذ تنوعت مؤلفاته بين المقال والمجموعات القصصية وروايات الجيب، والسلاسل والروايات والأعمال الأدبية المترجمة. 

وإن أكثر ما اشتهرت به أعمال خالد توفيق، عالم الفانتازيا والخيال والرعب الذي أقحم فيهم الكاتب قراء الوطن العربي.

ولعل من أهم أعماله نذكر

  • سلسلة ما وراء الطبيعة 

  • سلسلة الفانتازيا

  • رواية يوتوبيا 

  • رواية ممر الفئران 

ولقد تحولت كثيرا من مؤلفاته لأعمال درامية آخرها المسلسل المصري "الغرفة 207" المأخوذة عن كتابه (سر الغرفة 207) والذي حقق نجاحا كبيرا. كما تم تحويل سلسلته الشهيرة "ما وراء الطبيعة" لعمل تلفزيوني على منصة نتفليكس، الأمر الذي يدل على شعبية أعمال الكاتب وقدرتها على بلوغ شريحة كبيرة من القراء. 

لكن لم انتشر الحديث عن كون الدكتور خالد توفيق قد تنبأ بمستقبل مصر؟ وما علاقة مؤلفاته بالوضع الاجتماعي اليوم؟ وما القضايا التي طرقها في أعماله الابداعية والتي لاقت صدى واسع حتى بعد وفاته عام 2018؟

مؤخرا، ومطلع هذا العام، انتشر بشكل كبير اقتباسات نسبت للكاتب خالد توفيق، تحدث فيها عن أوضاع سيعيشها المجتمع المصري، المثير في الأمر أن الاقتباسات تعود لرواية كتبها الراحل عام 2008!  ليس هذا فحسب، بل الأغرب من ذلك أن أحداث الرواية كانت تدور في فترة الخمسينات، في حين كان هناك تنبؤ في الرواية نفسها بالأوضاع في مصر عام  2023 عبر مفارقة فنتازية ! وما تم التنبؤ به كان دقيقا بشكل مثير للجدل مع الأحداث التي يعيشها الشارع المصري اليوم. 

ويتعلق الأمر بأحداث رواية يوتوبيا، أين شرح فيها الكاتب الطبقية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وقد فصل في سرد الكثير من التفاصيل التي تقاطعت بالفعل مع الأحداث اليوم، برغم أنها بدن حين صدورها رواية متشائمة بعيدة عن الواقع ! 

عن رواية يوتوبيا:

نشرت رواية يوتوبيا لأول مرة عام 2008، وقد اعتبرت حينها رواية سوداوية لكثرة التفاصيل الصادمة التي وردت في الرواية. 

تنتمي الرواية للأدب الاجتماعي وقد جمع فيها خالد توفيق بين الواقع والخيال، وتحكي قصة المدينة الفاضلة "يوتوبيا"، المدينة المحاطة بالأسوار في ساحل مصر، أين ينفرد الأثرياء وأفراد الطبقة الراقية بحياة مثالية بعيدة عن المشاكل والأزمات، على عكس ما تعيشه منطقة "شبرا" أو كما يسميها ساكنو يوتوبيا (أرض الأغيار) حيث يعيش هؤلاء في محيط قذر، يتسم بالفقر والمشاكل ضمن بيئة لا تليق بالحياة الإنسانية.

في يوتوبيا، كل شيء سهل ومثالي، ومتاح، الحياة هناك تمثل اللذة والشهوة والمتعة الخالصة.

أما أرض الأغيار، فهي تعكس حالة الجوع والجهل والفقر، والقاذورات .

تقع أحداث الرواية في مصر، عام 2023، لتصف مستقبلا تسيطر فيها الطبقية والتفاوت، بين الأغنياء والفقراء، يبلغ بها الحال إلى حد متوحش، يمث وجهيهما المتناقضين بطلي الرواية "علاء" و "جابر".

أوجه التشابه بين أحداث الرواية والواقع في مصر اليوم:

  • الطبقية: إن أكثر ما ركزت عليه رواية يوتوبيا للكاتب المصري احمد خالد توفيق هو الفروق الطبقية في المجتمع، أين توجد طبقة غنية لا تكاد تواجه أيا من المشكلات والأزمات، طبقة برجوازية لها فلسفتها الخاصة حول الحياة، يسيطر عليها فكر فوقي يمارس قانون "البقاء للأثرى" وما دون ذلك (وضيع)، ويقصد بهم طبقة الكادحين والفقراء.

وهو الوضع الذي اخذ ينتشر على نحو صادم في مصر، حيث تفشت الفروقات الاقتصادية بشكل عزز نظام غير عادل انتهكت من خلاله حقوق البسطاء في حياة كريمة، في حين سيطر الرأسماليون على كافة سبل العيش.

  • المدينة الجديدة: إن كانت يوتوبيا، المدينة الفاضلة المتخيلة لدى الفلاسفة القدامى، وجاءت في رواية خالد توفيق لتعري وضع الأغنياء وكريقة حياتهم، فالمدينة الجديدة، في مصر اليوم تكاد تعكس ذات الصورة في الواقع. 

إذ وفي مصر الجديدة، تتسم الحياة بالرفاهية المطلقة والقدرة الشرائية المرتفعة، ونظرة مختلفة للأمور حتى في ابسط الممارسات الحياتية، الامر الذي عزز الشرخ بين سكانها والمصريون من الطبقة الأخرى، حتى أصبح الوضع مثارا للسخرية والتهكم وأحيانا أخرى الغضب وتزايد شعور اللاعدل والفوضى.

  • اسعار الدولار: لقد كان ورود سعر واحد دولار مقابل 30 جنيها في رواية يوتوبيا، أمرا "خياليا" ومستبعدا حين صدور الرواية، لكن وبعد حوالي أربعة عشر عاما نجد تطابق اسعار التحويل هذه مع الواقع الاقتصادي اليوم، الأمر الذي خلف حالة الاستغراب والدهشة، وتم تداول مقاطع من الرواية بين رواد السوشيال ميديا بكثرة، بعد تعويم الحنيه المصري مؤخرا، متسائلين عما إذا كان الدكتور خالد توفيق على علم بخفايا الأوضاع المصرية ومآلها. 

  • طبق أرجل الدجاج: برغم كونها تفصيلة دقيقة جاءت ضمن مشهدية خيالية، إلا أنها تطابقت حرفيا مع الوضع الاقتصادي في الشارع المصري، حيث ورد مشهد يحكي عن غلاء الدجاج، وتفشي ظاهرة رواج تناول أرجل الدجاج كبديل يسد الجوع بعد غلاء المعيشة، وهو ذات المشهد الذي رأيناه حين أعلنت الصحف المصرية عن فوائد تناول أرجل الدجاج، وانخفاض أسعارها بعد ارتفاع الأسعار الذي شهده سوق اللحوم !

مما سبق يتضح جليا السبب الذي دفع بالقراء العرب على إعادة تداول اقتباسات رواية يوتوبيا وإعادة احيائها وتناقلها بينهم، وكأنهم يؤكدون "تحقق النبوءة" بل والأكثر من هذا، يتم اسقاط تفاصيل الرواية على ما يمكن حدوثه، إذ اعتبرها البعض انذارا لما سيؤول إليه الوضغ قريبا. 

اقتباسات من رواية يوتوبيا تنطبق على الوضغ المصري اليوم ! 

"هناك من يقول إن الجنيه كان أعلى سعرًا من الدولار يومًا ما.. لا أصدق هذا وقد صار الدولار يساوي ثلاثين جنيهًا."

"دعك بالطـبع من ذوَبان الطبقة الوسطى التي تلعب في أي مجتمع دور قضبان الجرافيت في المفاعلات الذرية.. إنها تبطئ التفاعل، ولولاها لانفجر المفاعل.. مجتمع بلا طبقة وسطى هو مجتمع مؤهل للانفجار"

"لقد فقدوا قدرتهم علي الغضب واصبحوا كالخراف لكنهم يهتاجون احيانا بلا سبب … ونحن نعيش حاليا احدي تلك اللحظات"

"وكُلَّمَا زاَدَ الجَهْل قَلَّت سْيطَرةُ قِشْرَة المُخ عليَ السّــلوك, وَهَــذا يجْعَلُ الجرائم التي ترتكبها الطبقات الدنيا حيوانية بالمعني الحرفي للكلمة.."

"يبدو أن أرجل الدجاج رائجة كذلك.. الرؤوس، الأجنحة، لكن أين الدجاج نفسه؟ حتى الدجاج تحول فيما يبدو إلى عظام يكسوها الجلد فقط، لا عضلات ولا أحشاء”.

أعمال أدبية أخرى تنبأت بالمستقبل:  

لعل رواية يوتوبيا تعد محاكاة دقيقة تنبأت بمستقبل الأوضاع في مصر، وهي ليست العمل الوحيد في عالم الأدب الذي تمكن من ذلك حيث أن مقالات خالد توفيق نفسها قد تحدثت في مواضع كثيرة عن ما يمكن حدوثه ليس فيما يخص الوضع الاجتماعي فحسب بل أيضا الثقافي والفكري وهو ما تمثله وتؤكد عليه المشاهد المتسارعة والأحداث المتصدرة اليوم.

كلك نرى أن الكاتب والفيلسوف المصري مصطفى محمود هو الآخر استطاع سرد العديد من التوقعات التي أثبتت صحتها عبر مختلف كتاباته وأعماله الأدبية.

قائمة المصادر والمراجع: 

https://urlz.fr/kTyQ

https://urlz.fr/kTyY