مصطفى محمود

لا يكاد يخلو بيت عربي من قارئ للكاتب المصري صاحب الرحلة الشهيرة ( من الشك إلى الإيمان) مصطفى محمود، هذا الكاتب الذي استطاع أن يخلف ميراثا يصون من خلاله أفكارا حول المعتقد والفكر الديني العربي، كما بسط العلم والدين على أرضية واحدة في وقت ساد فيه التيه، لبكون بوصلة استرشد بها ملايين من قرائه.

فمن هو مصطفى محمود؟ وما هي أهم محطات حياة صاحب رائعة " العلم والإيمان" ومالذي جعله أحد أشهر كتاب الرد على الإلحاد في العالم العربي وما أشهر مؤلفاته؟

حياته:

ولد مصطفى محمود ( Mostafa mahmoud) بتاريخ 27 ديسمبر 1921 بميت شبين الكوم بمحافظة المنوفية، وما لا يعرفه عنه الكثيرون أن الكاتب توأما لأخ توفي رضيعة، إذ تحكي ابنته الدكتورة أمل مصطفى محمود أن لأبيها  شقيق توأم شاء الله له أن يتوفى في أيامه الأولى.

ومذ كان صبيا أبان عن شخصية شغوفة بالبحث والعلم والسؤال فعلى الرغم من تركه لمقاعد الدراسة في الفترة الابتدائية لثلاثة أعوام كاملة بسبب ظلم تعرض له من أحد الاساتذة آنذاك، إلا أن هذا لم يمعنه من الاستمرار في طلب العلم عبر شتى الطرق قبل أن يقرر العودة للدراسة وأبان عن نبوغ ساعده على التفوق بسهولة وسط أقرانه.

في الجامعة، تخصص الكاتب مصطفى محمود في دراسة الطب، ولقد اهتم مصطفى محمود بالتشريح منذ طفولته حيث شاع أنه كان يقوم بإبادة الحشرات وتشريحها في مستودع صغير بمنزل والده، وحين دخل كلية الطب شهد له زملاؤه ولعه بعلم التشريح، حيث قيل أنه كان يقف مسمرا أمام الجثث الموتى طويلا، ولربما هذا ما عمق تساؤلات مصطفى محمود حول الحياه والموت.

وتخرج مصطفى محمود من قسم الأمراض الصدرية بالقاهرة،  لينطلق في مزاولة مهنة الطب بجانب الصحافة التي ولع بها،  لكنه سرعان ما ترك حياة الطب لأجل أن يتفرغ للبحث والفلسفة  _ التي أبدى إهتماما بها في سن مبكرة _ بعد إصدار قرار منع مزاولة مهنتين في الوقت نفسه، ما دفع به لاختيار الصحافة دون أن يتخلى عن روحه العلمية التي جعلت مؤلفاته وفلسفته ترتكزان على الفكر العقلاني والتأملي وانعكس ذلك أيضا على لغته ومواضيعه التي عالجها في أزيد من 85 مؤلفا.

يذكر أن مصطفى محمود عاش في أحد أشهر المزارات الصوفية في مصر كما أنه ينتمي لسلالة الأشراف رضي الله عنهم، حيث يعود نسبه لعلي زين العابدين، واسم مصطفى محمود الكامل هو مصطفى كمال محمود حسين ال محفوظ.

ولعل هذه الخلفيات التي أحاطت الدكتور مصطفى محمود  ما شكلت طريقه التي جمعت بين الوجدان والعقل وبين الوجود والتصوف وبين الملموس والغيبي.

فكره:

 قد يصعب حسم توجهات فكر رجل كرس حياته للبحث عن الإنسان، مصطفى محمود كاتب وفيلسوف وطبيب وباحث سعى خلال مسيرته لأن ينقب عن إجابات تنصف تساؤلات المرء حول ماهيه الكون والوجود والحقيقة، وقد انتقل مصطفى محمود في رحلته من الشك الى الايمان انتقالا حقيقيا وعايش تفاصيله عبر توغل دام أزيد من ثلاثين سنة في رحاب الفكر والفلسفة، فاعتنق الوجودية والتصوف، والزاراداشتية، وشكك في المعتقد، وفجر الكثير من التساؤلات، وتوجس من حقائق وهدم أخرى، ولامس الالحاد كما الإيمان حتى خلص نحو بر الفطرة والعقيدة المتماسكة، فهو لم يجب الا بعد سؤال، ولم يبلغ إلا حين ارتحل، ولم يبن إلا حين قرر أن يتحمل عناء الهدم.

ولربما هذا ما يفسر اتهام مصطفى محمود بالتناقض ، إذ عرف هجوما واسعا في الكثير من المحطات الفكرية، واتهم بخوض ما لا يفقه فيه، خاصة حين كان يطرق مواضيع حساسة على غرار الشفاعة، الوجود الالهي، الفكر الوجودي والصوفي،  لكنه وفي هذا السياق، يمتن مصطفى محمود لقدرته على نقد ذاته والتطور ولا يجد ضيرا في تغير مسارات فكره إذ هي حسبه أسمى مراحل التعمق في المعرفه والبحث، وهو فعلا ما ساعده على بلوغ اليقين، فبعد أن كان مشككا متوجسا، قدم رائعته حوار مع صديقي الملحد ليعرض طريقا شخصية سلكها وأفنى عمره متأملا تفاصيلها.

ولقد اشتهر مصطفى محمود بالتأليف في شتى المجالات الفكرية والثقافية  فلم ينحصر ضمن مجال ضيق بل جعل الفكر بوابته نحو مسالك متعدده على غرار السياسه علم المجتمع العلوم والدين وغيرها من مسالك المعرفة الانسانية.

ومن بين القضايا الكبرى التي عالجها الكاتب تصديه لتهديدات إسرائيل وكشفه المؤامرة التي سعت لبث سمومها طويلا في الفكر العربي كما عرض لأزمة المياه في حلقات مصورة من برنامجه " العلم والإيمان" وشكلت ضجت وجدلا واسعا آنذاك.

منجزات مصطفى محمود:

تعد مكتبه مصطفى محمود مكتبه ضخمه، ضمت 89 مؤلفا، وإنه خلال مسيرة التأليف هذه كاد يلامس مختلف الأجناس الأدبية فكتب الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة والكتب الفلسفية والمقال وكذلك كتبا صنفت ضمن التوجه الديني العقائدي وأخرى اهتمت بالأفكار السياسية والاجتماعية.

ولقد أثارت كثير من هذه الكتب جدلا واسعا في الوسط الديني والثقافي في مصر فحوكم بسبب بعضها وصودر بعضها الآخر واحتاج بعضها سنوات من الرد عليها على غرار كتاب الشفاعة الذي تحدث فيه عن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لم يثنه عن الاستمرار في البحث والتأليف وإثراء رفوف المكتبة العربية والمساهمة في الارتقاء والنهضة بفكر الشباب العربي.

إلى جانب تأليفه للكتب قدم المؤلف مصطفى محمود موسوعة سمعيه مهمة ضمن برنامج (العلم والايمان) الذي استمر في تصويره 28 سنة كامل ضمت 400 حلقة عرض فيها خلاصته التأملية في الوجود والكون وتساؤلات الإيمان ومعجزة الله في أرضه.

أزمة كتابه (محاولة تفسير القرآن الكريم بفهم عصري):

وهو الكتاب الذي سعى من خلاله الى تقديم قراءة عصرية متدبرا في القرآن الكريم لكنه هوجم من طرف العديد من الجهات التي رأت أن الفيلسوف المصري لم يكن متخصصا وضليعا بالتراث الديني الإسلامي، وطالب الكثيرون بوقف اصدار كتابه كونه لم يبارك من قبل مؤسسة الأزهر.

المؤلفات:

للدكتور مصطفى محمود مجموعة كبيرة من الكتب التي صدرت بطبعات عديدة على مدار السنوات، وهي متاحة في مكتبة الوليد كما يمكن تحميل معظمها بصيغة pdf وسنعرض هنا أهم وأفضل ما كتبه هذا المفكر الكبير والتي نرشحها لأجل إثراء العقل وفتح آفاقه للبحث عن الحقيقة وفهم الوجود.

في الفكر والفلسفة:

·    لغز الحياة

·     الماركسية والاسلام

·     الوجود والعدم

·     رأيت الله

·     ألعاب السيرك السياسي

·     السؤال الحائر

·     على حافه الانتحار

·     الحب والحياة

·     تأملات في دنيا الله

·     أكذوبة اليسار الاسلامي

·     الله

·     رحلتي من الشك إلى الايمان

·     لغز الموت

·     الطريق إلى جهنم

·     كلمة السر

·     نار تحت الرماد

·    المؤامرة الكبرى

وتعد دراساته وكتبه الفلسفية أكثر الكتب رواجا بين القراء المتطلعين لفهم واع بالدين، وينتهي فيها مصطفى محمود بالحجة واليقين لإثبات وجود الله والرد على المشككين.

في الرواية

·    المستحيل

·    الافيون

·    العنكبوت

·     رجل تحت الصفر، وقد حازت هذه الرواية على جائزة الدولة عام 1970، وقد جاءت ضمن كتابات الخيال العلمي. 

فن القصص:

·    رائحه الدم

·    الطوفان

·     نقطه الغليان

·     الذين ضحكوا حتى البكاء، وهي أشهر مجموعاته القصصية وضمت 9 قصص قصيرة على غرار قتيل بدون قاتل، نهاية الشبخ، أعمال صالحة جدا.

المسرح:

·    مسرحيه غوما

·    الزلزال

·     الشيطان يسكن في بيتنا

·     الانسان والظل

·     الاسكندر الاكبر

إلى جانب العديد من الدراسات المهمة والمقالات الفلسفية والسياسية والدينية وأعمدة الصحف كتب فيها أدب الرسائل ونقاشات في مواضيع شتى، كما له مؤلفات مهمة في أدب الرحلة، وقد حولت بعض مؤلفاته لأعمال سينمائية على غرار مجموعته القصصية "شلة الأنس" .

أقواله:

يعتمد العديد من القراء والأشخاص اليوم على اقتباس العديد من مقولات الكاتب والطبيب والفيلسوف مصطفى محمود والتي تعبر عن أحوال الدنيا والحياة المتنوعة بشتى تمظهراتها وأبعادها المادية والروحانية.

يقول الكاتب والمفكر في افضل واشهر اقتباساته:

·    لن تكون ا إلا بالعلم فالله لا يعبد بالجهل.

·    ابتسم عندما تذهب الى عملك فكثيرون ما زالوا يبحثون عن وظيفة.

·    يظهر الانسان على حقيقته حينما يحرم مما يحب ويحمل على ما ييكره

·    ليسأل كل منا قلبه في ساعه خلوة وسوف يدله على كل شيء فقد أودع الله فيه تلك البوصله التي لا تخطئ.

·    لن يستطيع الحرف أن يدرك الغاية من وجوده إلا اذا أدرك الدور الذي يقوم به في السطر الذي يشترك فيه حروفه وإلا إذا أدرك المعنى الذي يدل عليه السطر في داخل المقال والمقال في داخل الكتاب.

·    الناجح هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده.

·    جئت إلى العالم لاختلف معه.

·    لو كانت الاشياء الماديه أهم من المعنويه لما دفن الجسد في الارض وصعدت الروح الى السماء.

وفاة مصطفى محمود:

وتوفي الكاتب مصطفى محمود في الساعة السابعة والنصف من صباح السبت 31 أوكتوبر 2009 عن عمر 87 عاما، بعد رحلة طويلة من المرض والعلاج، وبرغم أن جنازته لم تعرف حضورا قويا للمسؤولين ولم يتم نعيه حينها في التلفزيون الرسمي، إلا أن رحيله قد ترك حزنا عميقا في نفوس القراء العرب، كما تم تكريمه عبر وثائقيات عدة تضمنت رحلته الفكرية وأثره الانساني.

يعرف أن الراحل خلف الكثير من الأنشطة الخيرية على غرار بنائه لمسجد محمود، ومتحف ونادي علمي لإجراء التجارب والبحوث والدراسات وقد سعى من خلالها أن يساعد على إبقاء  أثر مستمر يخلد حضوره ومساهماته وسعيه في منح الأمة الاسلامية ما تحتفي به في مواجهة المد الفكري الغربي.

للإشارة يتواجد قبر الكاتب بمدافن عائلته بمدينة 6 أوكتوبر بالقاهرة.

وفي الذكرى الثانية عشر لرحيله نشرت العديد كتابات بخط يده وكذا الدراسات التي كتبت حوله ضمن صحف ومجلات عربية لتشهد على عبقرينه ومساهماته الاستثنائية في الساحة الفكرية العربية.