العلاج بالكتابة:

هل سبق لك واختبرت العلاج بالكتابة؟ وما المقصود بالتشافي عبر فعل التدوين؟ ولم ينصح الأطباء النفسيون مرضاهم في كثير من الأحيان بكتابة يومياتهم ومذكراتهم لتخطي المواقف الصعبة؟ 

إن العلاج بالكتابة، مفهوم تبلور عبر علم النفس، بعد أن وجد المختصون أن كتابة الاشخاص لافكارهم وتدوينها يساعدهم على تفريغ مكبوتاتهم ومشاعرهم ويعينهم على ازاحة العبء والضغوط. 

ولعل أن مفهوم التشافي هذا، هو مفهوم يعود للعصر الأرسطي، أين ارتبطت الكتابة والآثار الأدبية بمفهوم التطهير، حيث أعتبرت الكتابة مطهرا للنفس من الآلام والمواجع والآثام، لتنتقل إلى علم النفس عبر عالم النفس الشهير (سيغموند فرويد) الذي استنبط عن كثير من الأعمال الأدبية والكتابات أمراضا نفسية، إذ يؤكد أن الكتابة تساعد على الافصاح عن مكنونات النفس واللاوعي. 

هذا الأمر جعل أطباء النفس والمختصين يجعلون من الكتابة علاجا يعتمد عليه بصورة رسمية ومؤكدة في علاج الكثير من الحالات، بعد أن أثبت الأمر نجاعته.

أمراض نفسية تشفى عبر الكتابة:

كما ذكرنا سابقا، يتم اللجوء للكتابة كاجراء علاجي في العديد من الحالات المرضية، نذكر منها:

  • القلق: تساعد الكتابة على تهدئة نوبات القلق المرضي، وجعلها أقل حدة. لذا تتم الاستعانة بها، فيتم اقتراح الكتابة على مرضى القلق من أجل مساعدتهم على تفريغ التوتر والهدوء. 

وحسب الدراسات التي أجريت على مرضى القلق، أثبتت أن أغلب الحالات تستعين بالكتابة العشوائية أو " لخربشة" على الورق في المواقف التي تثير قلقهم، حيث يقومون بالرسم او كتابة عبارات ما وتكرارها، الأمر الذي تم استغلاله لصالحهم من قبل المعالجين.

  • الاكتئاب: يعد الاكتئاب أحد الأمراض النفسية المعقدة التي تخفي كثيرا من الأعراض والاحتمالات، ولقد اكتشف أن الكتابة من بين الوسائل التي أثبتت فاعليتها في علاج بعض أعراض الاكتئاب عبر مساعدة المريض التعبير بالكتابة عن مخاوفه والضغوط التي يمر بها، ومن ثم تخفيف العبء.

كما أن مرضى الاكتئاب يميلون لتضخيم الأمور عادة، مما يأزم أوضاعهم، في حين أن الكتابة تساعد على إعادة ترتيب النفس وتهدئتها وإعادة الأمور إلى نصابها، لأن البوح بالأفكار يجعلها تبدو طبيعية أكثر بعيدا عن الحساسية المفرطة.

ثم إن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لا يبوحون بما يخالجهم من أفكار بسهولة عادة، ولذا فهم يجدون في الكتابة غايتهم المنشودة.

  • اضطرابات الطعام: قد يبدو الأمر غريبا، لكن نعم، تساعد الكتابة على تحسين المزاج ومن ثم تجاوز اضطرابات الطعام الناجمة عن ذلك، حيث تقلل من التوتر وأيضا قد تكون حلا لعلاج اضطرابات الأكل الشرهي، حيث وعبر الكتابة 

  • الوقاية من التنمر: كتابة اليوميات والخواطر وتفريغ المكبوتات قد يحصن العديد من الأشخاص من التنمر ويقيهم تبعات المشاعر التي تترتب عنه.

حيث أن في الكتابة مواجهة وبوح وافصاح عن المشاعر السيئة التي قد يتسبب فيها المتنمرون. 

كما نعلم، فالتنمر يجعل ضحاياه حبيسين لصورة مغلوطة حول أنفسهم، لكن تأتي الكتابة لتخلصهم من هذا الشعور وتكسر تلك القيود التي تكبلهم، عبر الحديث عنها والأهم التعبير الحر والشجاع عن كل ما يخالجهم حتى يبلغوا مرحلة قادرين فيها على معرفة ما هم عليه بالفعل.

  • حالات الانطواء: تصبح اليوميات والكتابة صديقا رائعا لأولئك الذين يجدون صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية، لأنها تساعدهم على فتح أحاديث يومية، عبر كتابة أفكارهم والتعبير عن مشاعرهم وتخفيف الاحساس بالوحدة.

  • زيادة الثقة بالنفس: إن الكتابة تجعل من شخصية المرء أكثر نضجا واتزانا وتمنحه القدرة على خلق توجهات خاصة به لأنها تعلمه الصبر والتأني في الحكم على الأمور، وتعد تدريبا جيدا على مراجعة التصرفات والسلوكيات وتقويمها.

  • علاج الميول الانتحارية: أحيانا تأتي الرغبة في الانتحار نتيجة الضغوط المتراكمة والاحساس السلبي الذي يتكون بداخلنا تجاه الأمور، و تأتي الكتابة لتزيح هذه الضغوط جانبا عبر التنفيس عنها وتحويلها إلى خواطر عابرة، مما يخفف الثقل ويهديء من روع الانسان وحالة الاكتئاب لديه ويبعد عنه الأفكار الانتحارية بحسب أطباء النفس والمعالجين السلوكيين.

كيف يمكنني استغلال الكتابة لأجل تخطي المواقف الصعبة؟ 

لعلك تتساءل الآن حول الطريقة التي يمكن من خلالها استغلال الكتابة للتشافي، حسنا، الأمر لا يحتاج للكثير من الأمور، فقط بعض الأفكار والنصائح: 

  • كتابة اليوميات: تعد كتابة اليوميات من أبسط طرق العلاج بالكتابة، لأن المرء عبرها يتعلم البوح، وترتيب مشاعره وأفكاره.

ثم إن الحديث عما يمر به المرء يساعده على توضيح الأمور وتغيير بعض أفكاره الخاطئة فيما يتعلق بتصرفات الآخرين أو الحكم عليهم، لأنه يصبح قادرا على تقييم الأمور على نحو حيادي ومتزن، على عكس ما يكون عليه الأمر حين تظل أفكارا مشوشة في الذهن. 

وإليك بعض النصائح لكتابة يومياتك ومذكراتك:

  • حاول تذكر أهم ما مررت به من مواقف مهمة، ثم دونها على دفترك. 

  • أعد كتابة ما صادفك من عبارات محورية سلبية كانت أم ايجابية ثم أعد تقييمها بعقلانية.

  • إن صادفتك أمور مزعجة، حاول التخلص منها بتحويلها لنصوص ساخرة. 

  • اجعل من يومياتك ترسيخا للحظات المميزة، وحملها بالقرارات الايجابية حتى حين تسطر لحظاتك السيئة. 

  • الخواطر: إن كنت تجد صعوبة في كتابة يومياتك، قد يكون كتابة الخواطر بديلا مميزا لك، حيث أن ذلك يساعد على ترتيب العواطف وتصوير مشاعرك ضمن مشاهد متخيلة، الأمر الذي يجنبك البوح المباشر الذي قد يشكل عبئا عليك. 

فإن كنت من بين الأشخاص الذين يترددون في الإفصاح عن أزماتهم النفسية ومشاكلهم على نحو مباشر حاول كتابة قصائد أو خواطر تعبر بها عما يختلجك من أحاسيس، أحيانا يساعدك هذا على معرفة نفسك بصورة عميقة. 

  • كتابة الرسائل: إن كتابة الرسائل تعد تجربة رائعة للتخلص من الضغوط وحالات الحزن والاكتئاب، كما تعد من بين الوسائل التي يتم اتباعها من أجل العلاج من قبل الأطباء النفسيين.

وفي هذا السياق يتم اقتراح طريقتين:

  • إما كتابة رسائل للأشخاص، من معارفك، بحيث تخبرهم بما يدور في خلدك أو ربما تصارحهم ببعض الأسرار حولك، أو قد تكون طريقة مثالية لتوضيح بعض الأمور التي يصعب حلها عن طريق المواجهة المباشرة.

أو ربما مراسلتهم سريا، عبر خلق محادثات لا يمكن البوح بها، لصعوبة مواجهتهم وهذا له أثر إيجابي لأنه يعزز قدرتك على الحديث ويشجعك كما أنه يخفف الكثير من العبء والضغط. 

  • كتابة رسائل لنفسك ! نعم أن تبعث بكتابات لذاتك لأمر فعال وايجابي، حيث أن الأمر يشبه مشاهدة انفعالاتك عن بعد، ومخاطبة دواخلك ومواجهتها. 

يمكن لك أن تتحدث إلى نفسك بكتابة ما ترغب في سماعه من عبارات دعم وتشجيع. 

يمكن أن تكتب حول نفسك، باستذكار صفاتك المميزة وبعث شخصيتك الأكثر حرية.

يمكن أيضا أن ترسل رسائل لشخصك في المستقبل ! تلاعب بالزمن لترسم رقعتك الخاصة والمميزة، كأن تعد نفسك بأنك ستصبح أفضل وتعمل على تغيير إيجابي، أو أن تسطر لها أهداف وطموحات، ستكون العودة إلى هذه الرسائل الحافز الذي يدفعك نحو الأمام.

  • اخضع نفسك لتقييم ذاتي: على الإنسان، وبين فترة وأخرى، أن يخضع ذاته للتقييم، من حيث إعادة حساباته، وعرض أخطائه ونقاط ضعفه، تدوين تصرفاته الخاطئة وسقطاته عبر جلسة مكاشفة يواجه من خلالها نفسه بثقة وحيادية. 

هذا الأمر يساعده على تغيير ذهنيتك وطريقة تفكيرك ورؤيتك للأمور بشكل إيجابي ويعزز قوة شخصيتك، كما يجنبك المشاعر السلبية كجلد الذات، والنظرة الدونية لنفسك، ويساعدك على التصالح مع نقائصك. 

من المهم أيضا، أن تدون الأمور الايجابية عنك، كنقاط القوة، وانجازاتك، وصفاتك الحسنة، فهذا يجعلك تكون صورة مرضية حول نفسك ومن ثم يمنحك الثقة والقوة والتماسك. 

  • اتبع أسلوب القوائم: وهذا لكون تحديد القوائم وتدوين نقاط محددة يساعد على اختصار الكثير من الأمور كما أنه يعد طريقة مثالية لأولئك الذين يخطون خطوة أولى في عالم الكتابة والتدوين.

لا يحتاج الأمر سوى للقيام بتحديد جملة من الخيارات الدقيقة والمحددة، كأن تسطر أهدافا محددة ترغب في تحقيقها، أو عادات وسلوكيات ترغب في التخلص منها، أو ربما عادات تريد الالتزام بها. 

تعد هذه طريقة ينصح بها المختصون والمعالجون، لأنها واضحة ومباشرة وتعمل على ترتيب الأفكار دون الحاجة للكثير من الجهد. 

نصائح:

  • عبر بحرية: ستتفاجا في بداية الأمر، وأنت تتبع طريقة التشافي عبر الكتابة، أن الأمر ليس بالسهولة التي قد يبدو عليها. إذ تعد مواجهة النفس بكل صراحة أمرا مربكا، لكن رغم هذا ماعليك سوى البدء، اكتب كل ما يجول بخاطرك، لا تتردد في التعبير، حتى وإن بدى الأمر عشوائيا أو سخيفا، هذا طبيعي، مع مرور الوقت ستمسي قادرا على توجيه انفعالاتك بثبات وتماسك مما ينعكس عليك بشكل رائع. 

  • شارك كتاباتك مع طبيبك النفسي: إن كانت تراودك مشاعر سيئة وحالات مرضية معقدة، حاول الاستعانة بمختص نفسي، شاركه كتاباتك لأن ذلك قد يساعده على تقييم حالتك النفسية وتوجيهك لم يجب القيام به. 

  • أعد قراءة ما كتبت: من الجيد أن تعيد قراءة كتاباتك لأن ذلك يساعدك على التعرف على الكثير من جوانب شخصيتك، ويجعلك أكثر هدوءا، كما يجعلك أكثر قدرة على التحكم في ردات فعلك تجاه مختلف المواقف في المرات القادمة. 

أفكار تشجع على الالتزام بالكتابة: 

  • قم بتحديد مواعيد الكتابة: جعل الكتابة وردا يوميا تفرضه على نفسك وتلتزم به، يساعدك على استغلالها بشكل منظم ومفيد، كأن تضرب موعدا يوميا للجلوس والكتابة، سيبدو الوضع ثقيلا في بداية الأمر، لكن سرعان ما تمسي الكتابة عادة محببة تلجأ إليها بشغف رغبة في الحصول على بعض السلام. 

  • قم بتجهيز دفتر الكتابة الخاص بك: إنه لمن الممتع تزيين دفترك الخاص، وجعله يعبر عن شخصيتك وأفكارك، كأن تضيف صورا أو رسومات أو عبارات تحفيزية، أو حتى بجعله مصنوعا يديويا بشكل تام، لأن هذا سيجعل الكتابة تأخذ طابعا حميما وخاصة وتمنحك براحك الشخصي الذي تسكن إليه.

  • حمل تطبيقات تشجعك على التدوين: هناك العديد من التطبيقات المخصصة لكتابة اليوميات والمذكرات وكذلك إعداد القوائم، وتحميلها قد يساعدك على تدريبك على الاعتياد على الكتابة. 

بعض التطبيقات تعرض عليك الكثير من الأفكار والاقتراحات كطرح الأسئلة حول مزاجك وحالتك النفسية أو عرض عناوين عريضة يمكن الكتابة حولها، كما تقدم لك أشكالا وتصميمات مختلفة.

الجيد أيضا في هذه التطبيقات أنها تتيح لك ضبط المواعيد وتنظيمها، وتذكيرك بالكتابة وتشجيعك عليها عبر عبارات تحفيزية قصيرة. 

قائمة المصادر والمراجع:

https://urlz.fr/kWwi

https://urlz.fr/kWwk

https://urlz.fr/kWwl