هل سيغني chat gpt عن وجود الإنسان؟

بعد أن أحدث ضجة واسعة، صار الحديث عن chat gpt يأخذ أبعادا مختلفة، فلم يتوقف الكلام حول مقدرة هذا الأخير على حل معادلات في غاية الصعوبة، أو حول مقدرته على صياغة نصوص ومقالات كاملة بأسلوب متماسك ومرتب، وأيضا ترجمة النصوص بطريقة أكثر احترافية مما عودتنا عليه الترجمات الآلية. 

بل أخذ يثير جدلا حول مقدرته النوعية على الرد والتفاعل مع الأشخاص، وانتقاء ردود مناسبة لكافة المواقف، مما جعل البعض يتنبأ بمقدرة chat gpt على احتلال مكانة الإنسان.

فهل يمكن فعلا ازاحة الدور البشري لصالح التواجد الآلي؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الإنسان؟ 

هل نبوؤة الأفلام العلمية الخيالية تتحقق باقتحام الآليين وجودنا على نحو يجعل من الاستغناء عن دور الأشخاص في الحياة العملية والاجتماعية أمرا ممكنا؟ 

سنحاول أن نجعل هذا المقال طرحا يفتح النقاش حول النماذج الآلية اليوم ومدى قدرتها على التحكم في المعلومة وتهميش دور البحث البشري. 

حَــوْل chat gpt ؟

يُعدّ Chatgpt نموذجا لغويا تم تصميمه من طرف مؤسسة Open AI، وتدريبه على استغلال قاعدة ضخمة من البيانات واستعمالها من أجل مساعدة المستخدمين على إيجاد حلول لمشاكلهم وأسئلتهم، ويشمل ذلك مختلف المجالات، العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها. 

حيث يأتي على شكل نموذج آلي يقوم بالرد والتفاعل المباشر مع المستخدمين وتقديم المساعدة لهم.

تم تصميم النموذج اللغوي chat gpt عبر تقنيات الذكاء الصناعي، أو ما يعرف تقنيات التلقين المعلوماتي العميق، الأمر الذي جعله قابلا للتجديد والتحديث المستمر ومن ثم القدرة على الاستجابة لمختلف أنماط وأساليب التواصل بحسب لغات المستخدمين وكذلك توجهاتهم الفكرية والثقافية!

 وقد تتساءل حول كيفية عمل Chat Gpt والتي تؤهله الرد والاجابة الدقيقة على المستخدمين؟

حسنا، يتم اعتماد تقنيات دقيقة ومحددة من قبل مطوري البرامج ووفقا لمعادلات وخوارزميات مؤسسة على الذكاء الاصطناعي كما سبق وذكرنا، الأمر الذي يجعل هذه الأنظمة والنماذج اللغوية قادرة على:

  1. تحليل البيانات: وذلك عبر اللجوء لتقنية التعلم العميق، حيث يتم تحليل أسئلة ونصوص المستخدم، إلى بيانات رقمية يمكن ترجمتها عبر الآلة.

  2. معالجة البيانات: بعد عملية تحويل النصوص إلى بيانات رقمية، تتم معالجة هذه النصوص من أجل فهم ورصد غاية المستخدمين ومغزى تساؤلاتهم، لأجل تحديد دقيق وبناء للمعلومات المستهدفة. 

  3. تحديد المعلومات: إذن يتم رصد الإجابات المرجوة من قبل المستخدم وتجميعها بدقة، وتكييفها بما تتطلبه الأسئلة، وفق أساليب وأنماط مدروسة بعناية فائقة.

  4. تقديم الاجابة عبر التفاعل مع المستخدم: مجددا يتم تحويل البيانات إلى لغة طبيعية ونصوص يستطيع عبرها النموذج اللغوي من التفاعل مع المستخدمين وإجابتها إجابات تقترب على نحو كبير مع الأساليب البشرية، فيجعلها تبدو طبيعية تفاعلية ومرنة.

الوجه الإيجابي لـ chat gpt:

إن هذا الدور المهم الذي يقوم به النموذج اللغوي Chatgpt أو غيرها من النماذج، يجعل لها آفاقا واسعة، ووجها إيجابيا لا يمكن تجاهله. 

حيث يمكن الحديث عن فوائد عديدة لـ النماذج اللغوية:

  • اختصار الوقت: أن تسعى للاجابة على اسئلة معقدة كان يتطلب سابقا وقتا وبحثا مضنيا، ثم أخذ الأمر ينحو منحى يسيرا بعد تدفق البيانات - ان صح القول - في عالم الانترنت مع محركات البحث. 

زيادة على ذلك، قدمت النماذج الآلية توفيرا أمبر للوقت، عبر دمجها مجموعة متكاملة من المعلومات، وتقديم إجابات ملمة للمواضيع بشكل يجنبك كثرة البحث، إنها تطرح لك المعلومات بدقة كبيرة متطرقة لمختلف أوجه البحث، الأمر الذي ساعد على اختصار الكثير من الوقت، خاصة ما تعلق بالمواضيع العلمية المعقدة أو المعلومات المتشابكة. 

  • تقديم إجابات دقيقة: يعمل chat gpt وفق تقنيات تجعله قادرا على عرض إجابات دقيقة، فلا يكتفي بعرض مختلف الاحتمالات، ولا يقدم عددا ضخما من الخيارات، بل يكتفي بم يخدم المستخدم ويعرضه مختصرا دقيقا ومرتبا ومنسجما.

هذا الأمر جعل منه وجهة مغرية لأولئك الذين يرغبون في البحث عن دراسات مؤسسة على منهجية دقيقة. 

كما يعد اعتماده على مصادر عديدة سمة ايجابية تعزز رحلة البحث وثقة المستخدم. 

  • البعث على إحساس مريح: عبر تفاعله المباشر مع المستخدمين باستخدام أساليبهم ومقاربا طريقة تفكيرهم وثقافتهم، يعطي chat gpt انطباعا بالألفة والأريحية، حيث يكاد يشبه استخدامه محادثة بشرية وتواصل مباشر، الأمر الذي يجعل من البحث عملية ممتعة ولطيفة، كما أنه يتيح لك التعليق، والمقاطعة ومناقشته وطرح مزيد من الاستفسارات، وهو تقدم مذهل تمكن منه مطوروا البحث الذين استطاعوا محاكاة عمليات التواصل الانسانية بصورة متقدمة جدا.  

  • التطور المستمر: يعمل العلماء والمبرمجين على تطوير مستمر لتقنيات النماذج الآلية، وامدادها بمزيد من المعلومات، وتوسيع قاعدة البيانات وتصحيح دائم للنقائص ما يجعلها مواكبة لمتغيرات العصر وذات مصداقية كبيرة يتم الاعتماد عليها.

  • متاح دائما وفي كل وقت: إحدى الميزات التي تجعل chat gpt مستهدفا من قبل المستخدمين، كونه متاحا في كل وقت، الأمر الذي يسهل عملية البحث، حيث يساعدك على العمل في أي وقت تشاء دون أن ترتبط بظروف ما. 

  • تقديم الاستشارات والنصائح: لا يكتفي chat gpt بتقديم المعلومات فحسب، بل أيضا بتقديم الاستشارات متى ما رغبت في اللجوء إليه. 

إذ أثبت فاعليته في الدعم النفسي، واستيعاب التساؤلات الشخصية حول الوجود، وكذلك التعامل مع حالات البوح، وعرض حلول وفقا لذلك وبأسلوب يقترب بشكل كبير من أساليب الأشخاص. 

كيف يزيح chat gpt الإنسان ؟ 

مطلع جائحة كورونا، وحين اضطر ملايين العمال للمكوث في بيوتهم، أعلنت شركة مايكروسوفت عن نية الاستغناء عن آلاف الكتاب واستبدالهم بالذكاء الاصطناعي. 

لم يكن هذا الإعلان سوى دق ناقوس عصر جديد يتم فيه بعث أدوار جديدة للبرامج الآلية، أدوارا يتم على إثرها الاستغناء عن العمالة البشرية. 

الأمر لا يتعلق بالكتابة فحسب، بل أيضا مجالات عديدة أخرى، لأن في ذلك تقليل للعمالة ومن ثم توفير اقتصادي وسياسة رأسمالية تختصر الكثير من الطرق نحو الكسب، إلى جانب ربح الوقت، وتسهيل المهمات والتحكم في دقتها وجودتها وتقنين الكم والكيف وفقا لخوارزميات دقيقة. 

وبالفعل، أخذ يتم تطبيق الأمر في العديد من الشركات العالمية، حيث تم اللجوء للنماذج اللغوية من أجل الرد الآلي والتفاعل مع متطلباته، وتقديم العديد من الخدمات. 

من جهة أخرى، تم الاعتماد على Chatgpt مؤخرا في العديد من الجامعات بصورة رسمية، كمساعد مشرف في إعداد المقالات العلمية، وتم ايراد "اسمه" بصورة رسمية، قُبِلت أكاديميا.

يتم أيضا الحديث عن إمكانية الاعتماد على Chatgpt في التدريس وتقديم استشارات نفسية وطبية وهي مهام كانت موكلة بشكل كلي للبشر، لكن يبدو أن الآلة اليوم تزاحم هذا الإنسان وتتنافس معه. 

ما يعجز عنه chat gtp ! 

قد يمكن الحديث عن إحلال chat gpt محل الإنسان في إجراء بعض العمليات، أو المعاملات كالتأليف، حل المعادلات، الإجابة على الأسئلة وتقديم النصائح والاستشارات. 

لكن هل يمكن بأية حال أن يتم هذا بعيدا عن دور الإنسان ؟

بالرغم من مزايا الـنماذج اللغوية وفوائدها والخدمات التي تقدمها للمستخدمين، إلا أن هذا لا يمنع من وجود العديد من العيوب والنقائص التي تؤكد ضرورة الاستمرار والارتكاز على القدرة والذكاء البشريان. 

ومن بين عيوب الـ Chatgpt: 

  • عدم تعاطيه مع كافة المواضيع بذات القدر: حيث وفي بعض المواضيع والأسئلة التي تميل إلى الخصوصية أو ندرة في المعلومات، لا يكاد يقدم chat gpt خدمة كافية، بل وأحيانا يقدم أجوبة مشوشة ومختلطة، لا تكاد تفيد شيئا.

حيث صمم هذا النموذج الآلي ليتعامل مع أسئلة ومواضيع دقيقة وواضحة غالبا، ويتعسر عليه التجاوب مع ما هو غامض أو مع العناوين الغير دارجة.

  • أحيانا تقدم النماذج الآلية إجابات خاطئة، خاصة إذا ما تم طرح الأسئلة عليها بشكل غير واضح ومباشر، إذ تختلط عليها الأمور. 

أحيانا تقوم بترجمة إجابات من مصادر أجنبية وتقترح أجوبة لا تتطابق واللغة الأم، على غرار إمداده بعناوين كتب غير موجودة وغيرها من السقطات والأخطاء التي قد توقع الباحث والمستخدم في الفخ. وعليه يحتاج لتحر دقيق وراء مصادره وإجاباته. 

  • عجز النماذج الآلية عموما عن التفاعل التام مع اللغة البشرية وما تحمله من معان ومجاز وتشبيه، حيث يعجز عن استيعاب أي إيحاء قد يطرحه المستخدم ومن ثم يقدم ردودا بعيدة تماما عن المطلوب.

  • صعوبة التفاعل النفسي والاجتماعي، وعدم قدرة chat gpt على التعامل مع بعض العبارات، أو الردود، خاصة حين يتعلق الأمر بالتفرد البشري في الكلام، كاستعمال المستخدم للاختصارات او النكت وغيرها. 

  • قد يشكل اللجوء لموقع chat gpt خطرا لأولئك الذين يعتمدون عليه اعتمادا كليا فيما يخص الاستشارات الطبية والنفسية، لأنه لا يستطيع التعامل مع الحالات على نحو دقيق بل مجرد تقديم حلول عامة وشاملة.

بعد عرض بعض عيوب الـ chat gpt يمكن التأكيد على أنه يبقى محاولة ذكية ورائعة لكن ضمن حدود الخدمات التقنية المعاصرة دون أن يرقى للتساوي مع الدور الإنساني.

ورغم ما يمكن توقعه حول التحسينات والتطوير المستمر الذي ستحظى به الآلة، إلا أنها لن تتمكن بأي حال من السمو للمقدرة البشرية، خاصة ما تعلق بالذوق، الحس، التساؤل والتفلسف الطبيعي، ستبقى الآلة دائمة رهينة احتمالات نهائية، في حين تبقى مقدرة العقل البشري غير محدودة الابداع على نحو مطلق تماما.