هل يمكن كتابة رواية في شهر ؟

كثيرا ما يرغب الكتاب والمهتمين بالأدب الروائي في المشاركة في مسابقات أدبية، ولأن الأمر يرتبط غالبا بمواعيد محددة، يجد بعض الكتاب أنفسهم مكبلين بالوقت ما يدفعهم لمحاولة إنهاء أعمالهم الأدبية قبل الآجال النهائية المحددة. 

البعض الآخر يتساءل هل بالإمكان الانطلاق من الصفر، وكتابة رواية كاملة في شهر واحد مثلا! 

حسنا، سيكون من الساذج الإجابة على نحو مطلق وحاسم على هكذا سؤال، لكن وبالمقابل لا يمكننا الإنكار بأية حال أن الأمر ممكن بالفعل ! وبين هذا وذاك ارتأينا أن نجعل هذا المقال محملا بأوجه الإجابة كلها وأبعادها.

كم يستغرق كتابة رواية من الوقت ؟

إن كتابة رواية لا يحتاج للوقت فحسب بل مراحل عدة، ويبقى رغم هذا الأمر نسبيا نوعا ما، إذ تختلف حالات الكتابة من روائي لآخر، أو ما يسمى ب "طقوس الكتابة" التي تجعل فعل الكتابة بدوره تجربة مختلفة ومتنوعة حسب رحلة الكاتب. 

إلا أنه يمكن الحديث عن مراحل معينة تحتاج إليها الكتابة الروائية عموما وهي 

القراءة: إن الروائي الناجح، هو الذي يملك رصيدا لغويا وثقافيا يتيح له الغوص في الكلمات.

ان القراءة وإضافة لكونها تعزز خبرة الكاتب ولغته وتجربته، فهي تمده بالخيال والأفكار الجديدة، وتجنبه الوقوع في فخ التكرار والتقليد.

من المهم الإشارة أن على الكاتب تنويع قراءته فلا يكتفي بجنس أدبي واحد، بل يطلع على كتب الفلسفة والتاريخ والتراث وكتب الأساطير والأعمال النقدية والكتب العلمية أيضا، لأن هذا يمثل سفرا مهما وترحالا يجعل من تجربة الكاتب أكثر امتلاءا وحرية. 

تعلم تقنيات كتابة الرواية: من المهم طبعا أن لا يكتفي الكاتب بالموهبة فحسب، بل من الضروري أن يجعل من الكتابة مهارة و عملا متقنا، فيسعى لتعلم مهارات السرد الروائي، وتفاصيل الكتابة، عن طريق المشاركة في ورشات الكتابة أو عبر قراءة الأعمال النقدية، والعمل على كثرة المحاولات وعرضها على مختصين ككتاب أكثر خبرة، لأن ذلك يساعدك على أخذ الكتابة على محمل الاحترافية. 

تذَكّر الموهبة وحدها لا تكفي لجعلك كاتبا حقيقيا وناجحا!

الاحتكاك: إن الاحتكاك بأشخاص من الوسط الفني والثقافي قد يساعدك حتما في تطوير مهارات الكتابة ومساعدتك أيضا على التقدم أكثر في عملك الروائي.

حيث أن التواجد برفقة الكتاب والمثقفين يلهمك بمزيد من الأفكار بفضل المناقشات والحوارات الفكرية والثقافية.

يمكن لك ذلك عبر المشاركة في الملتقيات الثقافية، المشاركة في النوادي الأدبية، حضور الأمسيات الشعرية وحفلات التوقيع ومعارض الكتب؛ إذ أن التواجد بينهم يعمل أكثر على رسم طريقك والغوص في هذا المجال. 

بالمقابل سيكون من المهم أن تجعل تجربتك ثرية عبر خوض التحام مع الشوارع، والسفر، والأشخاص، ليس فحسب من ضمن الوسط الثقافي، بل من كافة الفئات لأن هذا ما يساعدك على التقاط خيوط الحكايات وملامح الشخصيات ويعزز نصوصك بالحقيقي والخرافي والخيالي والواقعي في آن ! 

الكتابة: بعد بروز الفكرة، لا تتردد في البدء بكتابة مخطوطتك، حتى وإن تعلق الأمر بمجرد رتوش عشوائية، لأن البداية وأخذ القرار بالكتابة من أهم المراحل، لأنه وبعدها تتصاعد الحالة الكتابية، في حين وإن أجلت الأمر، سينتهي بك ذلك إلى التسويف في كل مرة.

حاول تحديد الأفكار الرئيسة والأحداث المحورية، والشخصيات الأساسية والزمان والمكان الذي تدور فيه الأحداث، حتى بصورة أولية قابلة للتغيير، ثم رتب أفكارك رويدا رويدا، وانطلق في سرد تجربتك الروائية، وضع في الحسبان دوما، أن عملك قابل للتعديل والتغيير والتصحيح دائما قبل أن يبلغ مرحلة الطباعة.

رغم هذا تبقى - وكما اشرنا انفا - هذه المراحل نسبية وعمومية، تتغير من كاتب إلى آخر ، حيث أن بعض الأشخاص لا يحتاجون سوى للعزلة والانغلاق الطويل للكتابة بعيدا عن الاحتكاك، في حين أن البعض الآخر قد يفضلون الكتابة على مراحل طويلة، البعض الآخر يستسلم كليا لمزاج الحالة الكتابية ما يجعل التجربة أكثر تعقيدا.

ورجوعا لكل هذا، يمكن تمييز أن الحديث عن المدة التي تستغرقها الكتابة يبقى مختلفا، فنحن نتحدث عن المرحلة التي تتخمر خلالها التجربة الروائية منذ الفكرة الأولى .

وعليه، فإن كتابة عمل روائي يحتاج لبذل الكثير من الجهد وأيضا الكثير من الوقت، حيث من الصعب كتابة رواية من عدم، بل نحتاج لفكرة تنمو في ذهن الكاتب، وتنضج تفاصيلها، وقبل كل شيء لابد من موهبة حتما ! إذ لا يصبح المرء كاتبا على محض التجريب فحسب. 

هل هذا يجيبنا على سؤالنا؟ وهل مدة شهر تبدو كافية فعلا لكتابة رواية؟ 

قد يكون من الممكن كتابة رواية خلال شهر، في بعض الأحيان حين يكون الروائي قد بلغ ذروته - إن صح القول - وانفجرت حالته الكتابية، ولم يتبق سوى الكتابة، في حين قد كان بالفعل قد جهز مخطوطات سابقة لفصول الرواية وتفاصيلها كلها، ولم يتبق سوى الكتابة والتنقيح وبعض التعديلات. 

في بعض الأحايين القليلة الأخرى، يكفي شهر لكتابة رواية كاملة من الصفر، فقط هكذا تأتي الفكرة وتأتي معها الرواية ! 

إلا أن هذا يحتاج بالفعل لكاتب محترف وناضج، فالكتابة فعل عتيق ينبع من الخبرة والتجربة، فتمسي أثرا صادقا، لكن هذا يبقى استثناءا نادرا اختص به بعض الكتاب العالميون، حين افصحوا أنهم لم يتوقعوا كتابة العمل الروائي وأن الأمر جاء صدفة عبر حالة إلهام مباغتة انتهت بسرد روائي طويل ومتكامل أثار استغرابهم هم نفسهم، فالأمر يكاد يشبه المعجزات على حد قولهم.

فكتابة رواية من الصفر خلال ثلاثين يوما، تحتاج  للعديد من التفاصيل، على غرار الفكرة التي تحتاج بدورها لتقلبات عدة قبل أن تبلغ صورتها الأخيرة، وتتحد مع انفعالات الكاتب وخياله وظروفه وما يؤثر فيه قبل أن تأخذ هيئة نص متكامل، وإلا أصبحت مجرد خاطرة مبعثرة ومشتتة إن هو استعجل كتابتها. 

بعض الروايات احتاجت سنوات من عمر صاحبها، وليس في ذلك غرابة، لأن الأمر يحتاج أحيانا سفرا واطلاعا وبحثا عميقا.

أما الآن، وبعد أن حاولنا اجابتك عن سؤالك حول مدة كتابة رواية في شهر، سنوجه لك بدورنا سؤالا مهما، ما غايتك من السؤال؟! ولم ترغب في كتابة عملك الأدبي في شهر واحد؟ 

يبدو السؤال غريبا أو سخيفا، لكننا في الحقيقة نرغب من خلال إجابتك على توضيح جزئية مهمة تتعلق بالكتابة:

أما إذا كنت تتساءل لرغبتك في رؤية إنتاجك الأدبي  وطباعته، فإنا نؤكد لك أن التريث سيكون أفضل دائما حين يتعلق الأمر بالكتابة، لا تستعجل قلمك، حاول الهدوء والكتابة المؤسسة على أرضية معرفية متينة، ليكون عملك لائقا ناجحا ومتماسكا، فالعجالة لا تفعل سوى أنها ستجعل روايتك تبدو مشتتة ومتخبطة. 

لا يهم كم سيستغرق الأمر، بل ما سيكون عليه الأثر الأدبي، فالقيمة دوما أهم من أي حسابات أخرى.

أما إن كنت مرتبطا بآجال محددة رغبة منك في المشاركة في مسابقات أدبية، أو لرغبتك في اللحاق بالمعرض الدولي للكتاب، فإنا نؤكد مرة أخرى، أن عليك أولا التأكد من كونك جاهزا لإخراج مخطوطتك إلى النور، فهذا وحده ما يبقي على أثرها منتشرا ومستمرا، والأهم مقبولا لدى القراء وأيضا لدى اللجان المخصصة للحكم على الأعمال الروائية في المسابقات. 

لكن ورغم هذا، لا تستسلم، لعلك تنتهي خلال شهر من إنجاز رواية ممتعة تستحق القراءة. 

نصائح قبل كتابة عملك الروائي:

  • اضبط مواعيد الكتابة: لا تجعل الكتابة لديك مبنية بفعل الحظ ! بل حدد مواعيدك بدقة، لأن هذا فحسب ما يجعلك كاتبا محترفا، ويساعدك على أخذ الكتابة على محمل المسؤولية. 

  • قم بتجهيز ركن الكتابة الخاص بك: غالبا يرتبط الكتاب بحالات مزاجية، لكن إعداد بعض الطقوس الخاصة بك قد يجعل من المهمة أكثر امتاعا، على غرار ترتيب مكتبك، تزيينه وفق الديكور الأكثر الهاما لك بالاستعانة بقصاصات وصور أو ورود ونباتات إن كنت محبا للأزهار، أو ربما الاستعانة بتصاميم كلاسيكية تجعل الكتابة مريحة أكثر.

  • حدد مواعيد لإعادة القراءة والتعديل: من المهم وبعد الفراغ من فصول روايتك تركها جانبا قبل العودة إليها، وهذا ليتسنى لك التبصر فيها بعيون ناقدة متفحصة، الأمر الذي يساعدك على معرفة أخطائك والعبارات الزائدة وتدقيقها وتعديلها بشكل أكثر نضجا وحيادية.

  • استشر أصدقاءك: إنه من الحسن أن يكون لديك شخص ما تثق في ذائقته وتثق أيضا في أمانته فتتمكن من بعث نسخ من مخطوطتك ليساعدك على إخراجها بالشكل الأمثل الممكن لها، وذلك عبر تسديد النصائح واقتراح اضافات وتوجيه نقد بناء يرتقي بروايتك لمكانة أفضل.

هكذا نكون قد فرغنا من مقالنا، الذي حاول الإجابة عبر سؤال واحد لكن عبر إضاءة زوايا عديدة، الآن مارأيك؟ أتراك قادرا على كتابة كتاب كامل في شهر؟!

قائمة المصادر والمراجع:

https://urlz.fr/kTz5

https://urlz.fr/kTz7

https://urlz.fr/kTz9